في العصر الرقمي الذي نعيش فيه اليوم، أصبحت الجرائم الإلكترونية من التهديدات الكبيرة التي تواجه الأفراد والشركات والحكومات على حد سواء. مع توسع استخدام الإنترنت والتكنولوجيا في حياتنا اليومية، زادت أيضًا الأساليب التي يستخدمها المحتالون لاستهداف ضحاياهم. جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني أصبحت واسعة الانتشار، وتتطلب تشريعات قانونية قوية وآليات قضائية متطورة لمواجهتها.
يهدف هذا المقال إلى استعراض كيفية تعامل قانون العقوبات المصري مع هذه الجرائم، وما هي العقوبات المفروضة على مرتكبيها. كما سيتم التطرق إلى التحديات القانونية التي تواجه النظام القضائي المصري في التصدي لهذا النوع من الجرائم، مع استعراض بعض القضايا الشهيرة التي عالجتها المحاكم المصرية في هذا المجال.
القسم الأول: تعريف جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني وفقًا للقانون المصري
في ظل التطورات التكنولوجية السريعة، ظهرت جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني كأحد أشكال الجريمة الحديثة التي تستهدف الأفراد والشركات عبر الإنترنت. تختلف هذه الجرائم عن النصب التقليدي في أنها تُرتكب عبر الإنترنت أو من خلال وسائل تكنولوجية، مثل البريد الإلكتروني، وسائل التواصل الاجتماعي، أو المواقع الإلكترونية المزيفة.
1. تعريف النصب والاحتيال الإلكتروني في القانون المصري
عرف قانون العقوبات المصري جرائم النصب والاحتيال من خلال النصوص العامة التي تتعلق بالاحتيال والخداع، إلا أن مع تطور الجرائم الإلكترونية، تم إدخال تعديلات على القانون لمواكبة هذه الجرائم الحديثة. يُعرف النصب الإلكتروني بأنه “استخدام التكنولوجيا أو الإنترنت في خداع الأفراد أو الشركات للحصول على أموال أو معلومات شخصية أو سرية بطريقة غير مشروعة.”
المادة 336 من قانون العقوبات المصري
تعتبر المادة 336 من قانون العقوبات المصري الأساس القانوني لتجريم أفعال النصب. تنص هذه المادة على أن “كل من استعمل طرق احتيالية من شأنها خداع شخص أو مجموعة من الناس بقصد الاستيلاء على مال أو ممتلكات عن طريق الخداع، يعاقب بالحبس أو الغرامة.” هذا النص القانوني تم تطويره ليشمل الجرائم الإلكترونية، حيث يتم استخدام وسائل تكنولوجية لتنفيذ عمليات النصب.
2. أشكال النصب والاحتيال الإلكتروني
تتعدد أشكال النصب والاحتيال الإلكتروني في العصر الرقمي، وتتضمن العديد من الأساليب التي تهدف إلى خداع الضحايا والاستيلاء على أموالهم أو معلوماتهم الشخصية. من بين أبرز هذه الأشكال:
الاحتيال عبر البريد الإلكتروني
يُعتبر الاحتيال عبر البريد الإلكتروني من أكثر الأشكال شيوعًا في العالم الرقمي. يتم إرسال رسائل بريد إلكتروني مزيفة تحتوي على روابط أو مرفقات ضارة تهدف إلى خداع المستلمين للحصول على معلومات حساسة مثل كلمات المرور أو البيانات المالية.
مواقع التجارة الإلكترونية الوهمية
يتم إنشاء مواقع إلكترونية تبدو كأنها متاجر تجارية مشروعة، لكنها في الواقع مصممة لسرقة أموال المستخدمين من خلال عرض منتجات وهمية أو طلب الدفع مقابل خدمات غير موجودة.
الاحتيال عبر وسائل التواصل الاجتماعي
انتشرت عمليات الاحتيال على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم استدراج الضحايا من خلال عروض مزيفة أو جوائز وهمية. هذه العمليات تعتمد غالبًا على الإقناع النفسي والخداع للحصول على المعلومات الشخصية أو استغلال الضحايا ماليًا.
3. القوانين والتشريعات المصرية لمكافحة الاحتيال الإلكتروني
بدأت مصر في تعزيز تشريعاتها لمكافحة الجرائم الإلكترونية بشكل عام، وجرائم النصب والاحتيال الإلكتروني بشكل خاص، مع تزايد انتشار هذه الجرائم. في عام 2018، تم إصدار القانون رقم 175 لسنة 2018 الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي يُعتبر أحد أهم التشريعات الحديثة التي تستهدف مكافحة الجريمة الإلكترونية.
نصوص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على العديد من الأحكام التي تهدف إلى تجريم ومعاقبة الأفراد المتورطين في جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني. من أبرز هذه النصوص:
- المادة 22: التي تُجرم إنشاء مواقع إلكترونية بقصد الاحتيال على المستخدمين أو الاستيلاء على أموالهم بطرق غير مشروعة.
- المادة 24: التي تعاقب كل من يستغل وسائل التواصل الإلكتروني في النصب أو الخداع بهدف سرقة البيانات أو الأموال.
4. التحديات القانونية في مواجهة جرائم النصب الإلكتروني
رغم التطور التشريعي الذي شهدته مصر في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه القضاء المصري في التعامل مع هذه الجرائم. تتضمن هذه التحديات:
الطبيعة المعقدة للجريمة الإلكترونية
تتميز الجرائم الإلكترونية بطبيعتها المعقدة، حيث يمكن للمجرمين تنفيذ عملياتهم من أي مكان في العالم دون الحاجة إلى تواجد فعلي في موقع الجريمة. هذا يجعل من الصعب تتبع الجناة وإحضارهم أمام العدالة.
الافتقار إلى الوعي التقني لدى بعض القضاة
رغم الجهود المبذولة لتدريب القضاة والعاملين في مجال القانون على التعامل مع الجرائم الإلكترونية، إلا أن هناك نقصًا في الوعي التقني لدى البعض، مما يعيق أحيانًا الفهم الكامل لكيفية حدوث الجريمة وكيفية التعامل معها.
التطور السريع للتكنولوجيا
التكنولوجيا تتطور بسرعة كبيرة، وهذا يجعل من الصعب أحيانًا مواكبة التغيرات التشريعية اللازمة لمواجهة الجرائم الإلكترونية الحديثة. يجب على التشريعات المصرية أن تكون أكثر مرونة لتتمكن من التعامل مع التحديات المستقبلية.
5. أمثلة على قضايا النصب الإلكتروني في مصر
شهدت المحاكم المصرية العديد من القضايا الشهيرة المتعلقة بالنصب الإلكتروني، من بينها قضية “مواقع التجارة الإلكترونية المزيفة” التي تم فيها خداع آلاف المستخدمين لشراء منتجات غير موجودة. في هذه القضية، تم القبض على المتهمين وحُكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات، بالإضافة إلى الغرامات المالية.
في قضية أخرى، تورطت مجموعة من الأفراد في عملية احتيال عبر البريد الإلكتروني تم من خلالها سرقة بيانات مصرفية لمئات الأشخاص. تم تتبع الجناة بالتعاون مع الجهات الأمنية الدولية، وتمت محاكمتهم في مصر.
القسم الثاني: العقوبات القانونية المفروضة على مرتكبي جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني
بعد استعراض تعريف جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني وأشكالها المختلفة في القسم الأول، سنركز الآن على العقوبات القانونية التي يفرضها قانون العقوبات المصري وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على مرتكبي هذه الجرائم. سنتناول العقوبات المفروضة وكيف تعامل القضاء المصري مع هذه الجرائم لتحقيق العدالة وحماية الضحايا.
1. العقوبات القانونية في قانون العقوبات المصري
يعتبر قانون العقوبات المصري الأساس الذي يُستند إليه في معاقبة مرتكبي جرائم النصب والاحتيال، بما في ذلك الجرائم التي تتم باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة. تنص المادة 336 من القانون على معاقبة مرتكبي جرائم النصب بالحبس أو الغرامة أو كليهما، بناءً على حجم الجريمة وتأثيرها على الضحايا.
الحبس والغرامة في حالات النصب الإلكتروني
تتراوح العقوبات المفروضة على مرتكبي جرائم النصب الإلكتروني بين الحبس الذي قد يصل إلى ثلاث سنوات، والغرامة المالية التي تتراوح بين 10,000 و 100,000 جنيه مصري. وتختلف العقوبات بناءً على حجم الجريمة، وطبيعة الأضرار التي لحقت بالضحايا، وكذلك الوسائل التي تم استخدامها لتنفيذ الجريمة.
تغليظ العقوبات في الحالات المتكررة أو الجسيمة
في حال كانت الجريمة تشمل استغلالاً كبيرًا أو ضررًا جسيمًا، أو كانت الجريمة متكررة من قبل نفس الجاني، قد يتم تغليظ العقوبات لتصل إلى السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات. كما أن القانون يسمح بتغليظ العقوبات في حال كانت الجريمة تتم ضمن شبكة منظمة أو إذا كان الجاني يستخدم تقنيات متطورة تجعل من الصعب تتبعه أو القبض عليه.
2. قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لعام 2018
في إطار سعي الدولة المصرية لمواكبة التطورات التكنولوجية والتصدي للجرائم الحديثة، تم إصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات عام 2018. يعتبر هذا القانون أحد أهم التشريعات التي تستهدف بشكل مباشر الجرائم الإلكترونية، بما في ذلك جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني. ينص القانون على عقوبات صارمة تهدف إلى ردع المجرمين وحماية المجتمع.
المادة 22: الاحتيال الإلكتروني عبر الإنترنت
تنص المادة 22 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أن “كل من أنشأ أو استخدم موقعًا إلكترونيًا بقصد الاحتيال على المستخدمين أو خداعهم بهدف الحصول على أموال أو بيانات شخصية يُعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وبغرامة مالية لا تقل عن 100,000 جنيه ولا تزيد عن 500,000 جنيه.”
المادة 24: عقوبات الاحتيال باستخدام الوسائل التقنية
تجرم المادة 24 من القانون استخدام التكنولوجيا لتنفيذ عمليات النصب والاحتيال، حيث تنص على معاقبة كل من يستغل وسائل التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو أي وسيلة إلكترونية أخرى لتنفيذ جريمة نصب بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، وبغرامات مالية تصل إلى 500,000 جنيه.
3. تحديات تنفيذ العقوبات في جرائم الاحتيال الإلكتروني
رغم وجود قوانين صارمة تعاقب مرتكبي جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني، تواجه الدولة المصرية تحديات في تنفيذ هذه العقوبات بسبب الطبيعة المعقدة لهذه الجرائم. من بين هذه التحديات:
صعوبة تتبع الجناة
من أكبر التحديات التي تواجه السلطات المختصة هي صعوبة تتبع الجناة في الجرائم الإلكترونية. حيث يمكن للجناة استخدام وسائل تقنية معقدة مثل الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) وأدوات إخفاء الهوية (Tor) لتنفيذ جرائمهم دون ترك أثر واضح. هذا الأمر يجعل من الصعب على الجهات الأمنية القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة.
التعاون الدولي لمكافحة الجرائم العابرة للحدود
العديد من جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني تتم على مستوى دولي، حيث قد يكون الجاني في دولة أخرى غير الدولة التي يقيم فيها الضحية. يتطلب هذا النوع من الجرائم تعاونًا دوليًا بين السلطات القضائية في مختلف البلدان، وهو أمر قد يكون معقدًا بسبب اختلاف القوانين والإجراءات بين الدول.
التكنولوجيا سريعة التطور
تتطور التقنيات الإلكترونية بسرعة، وهو ما يجعل من الصعب على القوانين أن تواكب هذه التطورات بشكل دائم. قد تستغرق عملية تعديل القوانين لتغطية الجرائم الجديدة وقتًا طويلاً، ما يمنح المجرمين فرصة لاستغلال الثغرات القانونية.
4. استراتيجيات القضاء المصري لمكافحة جرائم الاحتيال الإلكتروني
للتعامل مع التحديات التي تفرضها الجرائم الإلكترونية، تبذل السلطات القضائية المصرية جهودًا كبيرة لتحديث آلياتها ومواكبة التطورات التكنولوجية. من بين هذه الاستراتيجيات:
تدريب القضاة والمحامين
يتم تقديم برامج تدريبية للقضاة والمحامين لتطوير مهاراتهم في التعامل مع الجرائم الإلكترونية وفهم كيفية تنفيذ الجرائم وتحديد الأدلة. هذه البرامج تهدف إلى تعزيز قدرة النظام القضائي على مواجهة التحديات التقنية وتقديم الجناة للعدالة.
تعزيز التعاون مع الجهات الأمنية
يعمل القضاء المصري بشكل وثيق مع الجهات الأمنية المتخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية، مثل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية. هذا التعاون يساعد في تتبع الجناة وجمع الأدلة اللازمة للمحاكمة.
زيادة الوعي المجتمعي
تُعد التوعية المجتمعية من الأدوات المهمة في مكافحة جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني. تعمل الحكومة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني على إطلاق حملات توعية تهدف إلى تعليم الأفراد كيفية حماية بياناتهم وعدم الوقوع ضحايا لعمليات النصب الإلكتروني.
5. أمثلة على قضايا تم تنفيذ العقوبات فيها بنجاح
شهد القضاء المصري تنفيذ عدد من الأحكام الناجحة ضد مرتكبي جرائم النصب الإلكتروني. من بين هذه القضايا، قضية “النصب عبر المواقع الإلكترونية الوهمية”، حيث تم الحكم بالسجن على الجناة لمدة تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات. في قضية أخرى، تم الحكم على مجموعة أفراد قاموا بسرقة بيانات مصرفية عبر الإنترنت بالسجن لمدة سبع سنوات.
قضية “النصب باستخدام تطبيقات الهواتف الذكية”
تم القبض على مجموعة أفراد كانوا يستخدمون تطبيقات مزيفة لاستدراج المستخدمين للحصول على بياناتهم الشخصية ومعلوماتهم المصرفية. تم تقديمهم للمحاكمة وحُكم عليهم بالسجن لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى تغريمهم مبالغ مالية كبيرة كتعويض للضحايا.
القسم الثالث: التحديات التي تواجه القضاء المصري في التعامل مع الجرائم الإلكترونية وأبرز القضايا التي تم الفصل فيها
في هذا القسم الأخير من المقال، سنتناول التحديات التي يواجهها القضاء المصري عند التعامل مع الجرائم الإلكترونية بشكل عام، وجرائم النصب والاحتيال الإلكتروني بشكل خاص. كما سنستعرض بعض القضايا الشهيرة التي تم الفصل فيها في المحاكم المصرية، والأحكام الصادرة بشأنها.
1. التحديات التي تواجه القضاء المصري في التعامل مع الجرائم الإلكترونية
تتسم الجرائم الإلكترونية بتعقيداتها الخاصة التي تجعل من الصعب على السلطات القضائية في مصر أو أي دولة أخرى مواجهتها بسهولة. هذه التحديات تتطلب من القضاء المصري تطوير آليات جديدة وتعاونًا واسعًا مع الجهات الدولية والمحلية.
أ. غياب الأدلة التقليدية
الجرائم الإلكترونية تختلف عن الجرائم التقليدية من حيث غياب الأدلة المادية التي يمكن تقديمها في المحكمة. فبدلاً من الأدوات أو الأدلة المادية التي تُستخدم عادة في الجرائم التقليدية، تعتمد الجرائم الإلكترونية على الأدلة الرقمية مثل السجلات الإلكترونية، الرسائل البريدية، أو البيانات المشفرة. هذه الأدلة قد تكون أكثر تعقيدًا من حيث جمعها وتحليلها، وقد تتطلب خبراء متخصصين لتقديمها بشكل مناسب أمام المحكمة.
ب. التحديات التكنولوجية
التكنولوجيا تتطور بسرعة، وهو ما يجعل المجرمين قادرين على استخدام أدوات وتقنيات حديثة تفوق في بعض الأحيان قدرات الجهات القضائية. الجناة غالبًا ما يستخدمون برامج تشفير متطورة وأدوات إخفاء الهوية تجعل من الصعب تتبع أنشطتهم.
ج. الجرائم العابرة للحدود
واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها القضاء المصري هي الجرائم العابرة للحدود. الجرائم الإلكترونية غالبًا ما تتم على المستوى الدولي، حيث قد يكون الجاني في دولة غير الدولة التي يقيم فيها الضحية. هذا يتطلب تعاونًا دوليًا بين الدول المعنية لتبادل المعلومات والقبض على الجناة.
د. التدريب القضائي المتخصص
مع زيادة الجرائم الإلكترونية، أصبحت الحاجة إلى تدريب القضاة والمدعين العامين على القضايا الإلكترونية أمرًا ملحًا. القضايا المعقدة التي تتعلق بالنصب والاحتيال الإلكتروني قد تحتاج إلى فَهْم عميق للتكنولوجيا الرقمية وكيفية جمع الأدلة وتحليلها.
2. استراتيجيات القضاء المصري لمواجهة الجرائم الإلكترونية
للتعامل مع هذه التحديات، تبنى القضاء المصري مجموعة من الاستراتيجيات التي تهدف إلى تعزيز قدرته على مواجهة الجرائم الإلكترونية.
أ. التعاون مع الجهات الأمنية
التعاون بين الجهات القضائية والجهات الأمنية المتخصصة في الجرائم الإلكترونية هو ركن أساسي في مواجهة هذه الجرائم. تتعاون النيابة العامة مع وحدات مكافحة الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية لجمع الأدلة وتحليلها وتقديم الجناة للمحاكمة.
ب. استخدام الأدلة الرقمية
أصبح القضاء المصري أكثر مرونة في قبول الأدلة الرقمية والاعتماد عليها في المحاكمات. يتم تقديم السجلات الإلكترونية وتحليل البيانات من قبل خبراء متخصصين، وهذا يسهم في تحسين قدرة المحاكم على إصدار الأحكام بناءً على أدلة موثوقة.
ج. التعاون الدولي
تلعب مصر دورًا نشطًا في التعاون الدولي لمكافحة الجرائم الإلكترونية، من خلال توقيع اتفاقيات دولية تهدف إلى تعزيز التعاون القضائي وتبادل المعلومات بين الدول. هذا يساعد في تعقب الجناة الذين يعملون عبر الحدود وتقديمهم للعدالة.
3. أبرز القضايا التي تم الفصل فيها في مصر
شهد القضاء المصري في السنوات الأخيرة العديد من القضايا الشهيرة التي تتعلق بالجرائم الإلكترونية، حيث أصدرت المحاكم أحكامًا رادعة على الجناة، مما ساهم في تحسين الردع وحماية المجتمع من هذه الجرائم.
أ. قضية “شبكة النصب الإلكتروني الدولي”
في عام 2020، تم الكشف عن شبكة دولية متورطة في عمليات نصب إلكترونية واسعة النطاق، حيث كانت الشبكة تستهدف الأفراد والشركات في مصر ودول أخرى. تم القبض على أعضاء الشبكة بعد تحقيقات دولية استمرت لعدة أشهر، وتم تقديمهم للمحاكمة في مصر. حُكم على الجناة بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، بالإضافة إلى تغريمهم مبالغ مالية ضخمة كتعويض للضحايا.
ب. قضية “النصب عبر مواقع التواصل الاجتماعي”
في عام 2019، تم الحكم على مجموعة من الأفراد بالسجن لمدة 7 سنوات بعد تورطهم في عملية نصب كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الجناة كانوا يستخدمون صفحات مزيفة للإعلان عن جوائز وهمية، وتمكنوا من خداع مئات الأفراد للحصول على بياناتهم المصرفية وسرقة أموالهم. بعد تقديم الأدلة الرقمية وتعاون الجهات الأمنية، تم إدانة الجناة.
ج. قضية “الاحتيال الإلكتروني المصرفي”
في عام 2021، شهدت مصر واحدة من أكبر قضايا الاحتيال الإلكتروني المصرفي، حيث تمكنت مجموعة من القراصنة من اختراق أنظمة مصرفية وسرقة بيانات عملاء عدة بنوك. تم تعقب الجناة بالتعاون مع السلطات الدولية، وتم القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة. حُكم على الجناة بالسجن لمدة 12 عامًا، وتم فرض غرامات مالية كبيرة عليهم.
4. مستقبل القضاء المصري في التعامل مع الجرائم الإلكترونية
من المتوقع أن يستمر القضاء المصري في تعزيز قدراته لمواجهة التحديات التي تفرضها الجرائم الإلكترونية. مع استمرار التطور التكنولوجي، يجب أن تكون هناك تعديلات قانونية مستمرة لضمان مواكبة القوانين للتغيرات السريعة في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تستمر برامج التدريب للقضاة والمدعين العامين لضمان فهمهم الكامل للتقنيات الرقمية وكيفية التعامل مع الأدلة الإلكترونية.
بفضل الجهود المستمرة للقضاء المصري والجهات الأمنية، أصبحت مصر قادرة على مواجهة التحديات التي تفرضها الجرائم الإلكترونية. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة والتأكد من أن النظام القانوني قادر على حماية المجتمع من تهديدات الجرائم الرقمية. يتطلب ذلك تعاونًا دوليًا وتحديثًا مستمرًا للقوانين وآليات التحقيق.
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في الحياة اليومية، أصبحت جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني تهديدًا كبيرًا للمجتمعات حول العالم، بما في ذلك مصر. تناول هذا المقال الجرائم الإلكترونية من منظور قانوني، حيث استعرضنا كيفية تعامل قانون العقوبات المصري وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات مع هذه الجرائم، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على الجناة. كما تم تسليط الضوء على التحديات التي يواجهها القضاء المصري في التعامل مع الجرائم الإلكترونية، مثل تعقب الجناة وجمع الأدلة الرقمية، بجانب الحاجة إلى التعاون الدولي في مكافحة هذه الجرائم العابرة للحدود.
من خلال دراسة القضايا الشهيرة التي تم الفصل فيها، يتضح أن القضاء المصري يبذل جهودًا كبيرة لمواجهة هذه الجرائم من خلال إصدار أحكام رادعة، وتطبيق العقوبات الصارمة على الجناة. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها السلطات، فإن التعاون بين الجهات الأمنية والقضائية إلى جانب التعديلات التشريعية المستمرة يسهم في تحسين قدرة مصر على التصدي لهذه الجرائم. في المستقبل، ستظل مواجهة الجرائم الإلكترونية تتطلب تحديثًا دائمًا للقوانين وزيادة الوعي المجتمعي بخطورة هذه الجرائم.
يمكنك الاطلاع ايضا على :
جريمة الاتجار بالبشر في القانون المصري: تحليل قانوني واستراتيجيات المواجهة
جرائم التحرش الجنسي وفقًا للقانون المصري: العقوبات والإجراءات القانونية